سورة يونس - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُم} معناه: تُمَتِّعكم أياماً قلائلَ، ثم تَلْقَوْن غِبَّ ذلك وتبدأون تقاسون عذاباً طويلاً.


شَبّهَ الحياةَ الدنيا بالماء المُنَزَّلِ من السماء يَنْبُتُ به النباتُ وتَخْضَرُّ الأرضُ وتَظْهَرُ الثمار، ويوطِّن أربابُها عليها نفوسَهم فتصيبهم جائحةٌ سماوية بغتةً، وتصير كأن لم تكن.
كذلك الإنسانُ بعد كمال سنَّه وتمام قُوَّتِه واستجماع الخصال المحمودة فيه تخْتَرمُه المَنِيَّة، وكذلك أموره المنتظمةُ تبطل وتختلُّ لوفاته، كما قيل:
فَقَدْنَاه لمَّا تمَّ واختمَّ بالعُلَى *** كذاك كسوفُ البدرِ عند تمامه
ومن وجوه تشبيه الأحوال الدنيوية بالماء المُنَزَّلِ من السماء أن المطرَ لا ينزل بالحيلة، كذلك الدنيا لا تساعدها إلا القسمة.
ثم إن المطر إن كان لا يجئ إلا بالتقدير فقد يُسْتَسْقَى كذلك الرزق- وإنْ كان بالقسمة- فقد يُلْتَمَسُ من الله ويُسْتَعْطى.
ومنها أن الماء في موضعه سببُ حياة الناس، وفي غير موضعه سببُ خراب الموضع، كذلك المال لمستحقه سببُ سلامته، وانتفاع المتصلين به، وعند مَنْ لا يستحقه سبب طغيانِه، وسببُ بلاءِ مَنْ هو متصل به، كما قيل: يعمُ الله لا تُعاب ولكنه ربما استعجم على إنسان، وكما قيل:
يا دولةً ليس فيها من المعالي شظيَّةْ *** زولي فما أنتِ ألا على الكرام بَلِيَّةْ
ومنها أن الماء إذا كان بمقدارٍ كان سببَ الصلاح، وإذا جاوز الحدَّ كان سببَ الخراب كذلك المال إذا كان بقَدْرِ الكفاية والكفاف فصاحبه مُنَعَّمٌ، وإذا زاد وجاوز الحدَّ أوجب الكُفران والطغيان.
ومنها أن الماءَ ما دام جارياً كان طيباً، فإذا طال مكثه تغيَّر.. كذلك المال إذا أنفقه صاحبُه كان محموداً، فإذا ادَّخَره وأمسكه كان معلولاً مذموماً.
ومنها أن الماءً إذا كان طاهراً كان حلالاً يصلح للشرب ويصلح للطهور ولإزالة الأذى، وإذا كان غيرَ طاهرٍ فالبعكس كذلك المال إذا كان حلالاً، وبعكسه لو كان حراماً.
ويقال كما أن الربيعَ تتورد أشجارُه، وتظهر أنوارُه، وتخضرُّ رباعُه، وتتزين بالنبات وهاده وتِلاعه لا يُؤْمَن أَنْ تصيبه آفة من غير ارتقاب، وينقلب الحال بما لم يكن في الحساب. كذلك مِنَ الناسِ مَنْ تكون له أحوالٌ صافية، وأعمالٌ بشرط الخلوص زاكية؛ غصونُ أُنسِه مُتَدَلِّية، ورياضُ قربِه مونقةٌ ثم تصيبه عَيْنٌ فيذبل عودُ وِصاله، وأتنسدُّ أبوابُ عوائد إقباله، كما قيل:
عينٌ أصابَتْكَ إنّ العينَ صائبةٌ والعينُ تُسْرعُ أحياناً إلى الحَسَدِ


دعاهم إلى دار السلام، وفي الحقيقة دعاهم إلى ما يوجب لهم الوصول إلى دار السلام؛ وهو اعتناق أوامره والانتهاء عن زواجره. والدعاء من حيث التكليف، وتخصيص الهداية لأهلها من حيث التشريف.
ويقال الدعاء تكليف والهداية تعريف؛ فالتكليف على العموم والتعريف على الخصوص.
ويقال التكليف بحقّ سلطانه، والتعريف بِحُكْمِ إحسانه.
ويقال الدعاء قوْلُه والهداية طَوْلُه؛ دَخَلَ الكلُّ تحت قوله، وانفرد الأولياءُ بتخصيص طَوْلِه. دار السلام دار الله لأن السلام اسم مِنْ أسمائه.
ويكون السلام بمعنى السلامة فهي دار السلامة أي أهلها سالمون فيها؛ سالمون من الحُرقَة وسالمون من الفُرقة؛ سَلِموا من الحرقة فحصلوا على لذة عطائه، وسَلِموا من الفُرْقَة فوصلوا إلى عزيز لقائه.
ويقال لا يصل إلى دار السلام إلا من سَلِمَتْ نَفْسُه عن السجود للِصَنَم، وسِلَم قلبُه عن الشِّرْكِ والظُلم.
ويقال تلك الدار درجات؛ والذي سَلِمَ قلبُه عن محبة الأغيار درجتُه أعلى من درجة مَنْ سَلِمَتْ نَفْسُه من الذنوب والأوضار.
ويقال قوم سلمت صدورُهم من الغِلّ والحسد والحقد؛ وسَلِمَ الخْلقُ منهم، فليس بينهم وبين أحدٍ محاسبة، وليس لهم على أحد شيء؛ فالمسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمحسنُ من سَلِمَ الخْلقُ بأجمعهم من قلبه.
{الْصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}: طريق المسلمين، فهذا للعوام بشرط علم اليقين، ثم طريق المؤمنين وهو طريق الخواص بشرط عين اليقين، ثم طريق المحسنين وهو طريق خاص الخاص بشرط حق اليقين؛ فهؤلاء بنور العقل أصحاب البرهان، وهؤلاء بكشف العلم أصحاب البيان، وهؤلاء بضياء المعرفة بالوصف كالعيان، وهم الذين قال صلى الله عليه وسلم فيهم: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه».

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11